المادة    
ثم ذكر رحمه الله تعالى القضية الثانية، وهي أنه إذا توغل الإنسان في ذنب ولم يمكنه أن يقلع عن الذنب وينسلخ منه إلا بفعل، فهل يعد هذا الفعل حراماً أم حلالاً؟! وذلك كمن توسط أرضاً مغصوبة دخلها عنوة وقهراً، فإن تاب وأراد أن يخرج منها؛ فما حكم هذا الخروج؟ وكذلك من زنى فأولج في فرج حرام ثم تاب أثناء ذلك وأراد أن ينزع، فما حكم إخراج عضوه؟ وكذلك سائر الأفعال التي لا يمكن أن تتم التوبة ولا تتصور إلا بها، فهل تكون واجبة؟ فإن كانت كذلك فكيف وهي جزء من الفعل المحرم؟! قال رحمه الله تعالى: الصحيح والراجح أن هذه أمور واجبة وهي مطلوبة، وذلك لاختلاف الحالين، فإن حال دخوله الأرض المغصوبة وأخذه منها وسكناه في دورها ليس كمثل حال خروجه؛ إذ عندما دخل كانت نيته الغصب والنهب، أما حال الخروج فهو حال الندم والإقلاع والكف، ولا يتأتى منه الندم إلا بهذا؛ ففي هذه الحالة يكون هذا الفعل واجباً، وهو مثاب ومأجور عليه. وهناك أمثلة أخرى، منها: موظف في بنك ربوي يريد أن يخرج من هذا البنك، ففي أثناء ذلك يراجع البنك ويأتي بالمعاملة ويقدمها وهو ما يزال موظفاً ولم يترك البنك بعد، ولم يستصدر القرار بالترك، فهل نقول: إنه لا يجوز له ذلك لأنه ما يزال في البنك؟! والجواب: أن تحريم ذلك قول، ولكن القول الصحيح أنه يكون بهذا العمل مطيعاً لله تعالى؛ لأنه لا يمكن التخلص من الإثم إلا به، ولأنه توبة، والتوبة واجبة عليه، فهو بذلك لا يعمل المحظور، بل يقوم بالواجب ليتخلص من ذلك الحرام. وكذلك أي وظيفة من الوظائف المحرمة في أثناء سعي الإنسان للخلاص منها. وكذلك من سافر إلى بلاد من بلاد الفساد والإلحاد والعياذ بالله، ثم تاب فقام يراجع ويستخرج الأوراق ليعود إلى بلاد الإسلام، فالذهاب كان حراماً لاشك فيه، ولكن العودة تكون طاعة بل واجبة، ويكون فيها من الخير بقدر نيته واجتهاده في أن يتخلص من هذا الحرام، وكذلك في حالة الزنا والعياذ بالله؛ لأنه لو اقشعر جلده من خوف الله تعالى واستشعر أن العذاب قد ينزل به وهو في هذه الحالة فتاب ونزع عضوه؛ لكان فعله هذا غير فعله في أول مرة حيث كان يتلذذ بالشهوة المحرمة التي حرم الله تعالى، فهذا الإخراج ليس هو الإدخال، فكل هذه الأعمال يكون حاله وموقفه النفسي عند ندمه وعودته وإقلاعه مختلفاً عنه عند إتيانه. إذاً: هذا يتصور في حقه التوبة، ويكون الفعل في حقه واجباً ويثاب عليه، فتكون توبته هي عين ما فعل وعين ما صنع، ويثاب ويؤجر عليها إن شاء الله تعالى.